الرسالة واضحة؛ أمريكا تقول، اذا تهدفون الى أخراجي من العراق من خلال القوى الإيرانية وعبر البرلمان،فنحن نعيد اليكم حزب البعث!

حوار مع سامان كريم من الاتجاه الماركسي المعاصر حول ابراز ملف حزب البعث وظهور رغد صدام حسين في الاعلام السعودي

الاتجاه الماركسي المعاصر: أحدث ظهور رغد صدام حسين ابنة الرئيس الدكتاتور العراقي السابق يوم الاثنين 15 شباط/فبراير 2021  على قناة "العربية" السعودية في سلسلة حلقات حوارية بثّتها القناة المذكورة،  ضجة كبيرة وأثار الكثير من الجدل و ردود الأفعال، حول اسباب ودوافع الظهور في هذه المرحلة. نريد ان نتعرف على وجهة نظركم وقرأتكم السياسية عن سر توقيت هذا السيناريو والظهور الاعلامي المفاجئ؟

سامان كريم: برأي ان القضية  الأهم، ليست ظهور رغد صدام حسين،  بل السبب الذي أدى الى هذا الظهور. ففي ما يتعلق بالسبب الرئيسي، أرى ان هذا الظهور رسالة أمريكية تشترك فيها مع دول المنطقة وبالتحديد السعودية وبعدها الأردن للضغط على ايران و القوى التي تعمل بأمرتها في العراق. هذه هي القضية الأهم وفق المنظور الأمريكي –السعودي في هذه المرحلة التي تحاول فيها أمريكا العودة الى الاتفاق النووي مع ايران عبر الخماسية الدولية –أمريكا خارج المجموعة لحد الان- . حيث يعتبر العراق منطقة النفوذ الإيراني، عبر القوى الإسلام الشيعي و الحشد الشعبي و القوى الأخرى خارجة عن هذه المؤسسات. الضغط في سبيل اضعافها و بالتالي عقد اتفاق نووي جديد لمصلحة أمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط، بالتحديد إسرائيل والسعودية. بمعنى اخر ان رغد صدام حسين استُخدمت كورقة سياسية من قبل السعودية بالدرجة الاولى. استُخدمت من قبل تلك الدولة التي بدونها لم يكن لأمريكا ان تتمكن من  أسقاط نظام والدها وهذه هي نقطة محورية جديرة بالذكر. أن من المنظور السياسي لهذه المرحلة ووفق ميزان القوى الحالي، أرى ان حزب البعث ليس بإمكانه ان يلعب دورا رئيسيا في الصراع السياسي الراهن على السلطة، أؤكد على هذه المرحلة.

أن أمريكا تحاول قدر الإمكان ان تخرج من منطقة شرق الأوسط، خروج بمعنى القوات المتواجدة في العراق و سوريا وحتى قواعدها العسكرية في البحرين و قطر ولو بصورة جزئية و تستبدلها بقوات الناتو _ وأمريكا مساهم اكبر فيه-. أما أن قضية أمريكا الجيوستراتيجية هو  ان الصراع الأصلي سيشتد مع الصين بالدرجة الأولى، اما حروبها في مناطق أخرى بما فيها شرق الأوسط تحال الى الدول المتحالفة معها للاشراف عليها اي حروب بالوكالة. من هنا أرى ان أمريكا اكثر جدية لقطع اوصال ايران في المنطقة في هذه المرحلة، عبر الضغط عليها  وتقيد قواها العسكرية وخصوصا الصاروخية منها. هل سوف تنجح أمريكا في هذا الامر او لا؟ هذه مسالة أخرى تماماً.

الاتجاه الماركسي المعاصر:حسب كلامكم، ترون بان هناك سيناريوهات واحداث سياسية جديدة ستشهدها الساحة العراقية ، التي تخلقها الاسباب الموضوعية في المرحلة القريبة القادمة. باختصار، وما  هي ملامح هذه السيناريوهات والاحداث الجديدة اذا ما ربطنا الموضوع بمسألة ظهور رغد وملف البعث؟

سامان كريم:  محاولة إعادة الحزب البعث عبر رغد صدام حسين، هي إعادة التاريخ الى الوراء، والتاريخ وفق قوانينه المادية يتحرك وفق صيرورة ودينامكية مستمرة صوب المستقبل، هناك قوانين مادية موضوعية للتاريخ، ليس بإمكان اعادتها وفق ما تراها القوى الكبرى لصالحها. المحاولة الامريكية عبر السعودية، هي محاولة كاريكاتورية مضحكة في مرحلة  تكون فيها أمريكا أوهن من أن تؤدي هذا العمل. لكن التاريخ او الصراع الطبقي ليس كاريكاتورياً، بالتالي ليس بإمكان البروليتاريا في العراق ان تستريح في هذه المحطة الكاريكاتورية، لان عملها و حياتها مرتبط بالصراع الحي والضاري اليومي مع طبقة الرأسمال في العراق و قواها المختلفة الإسلامية  والقومية. 

برأي و بغض النظر عن السيناريوهات السياسية، إن الرسائل التي يبثها هذا الحدث أي ظهور رغد، هي اكثر أهمية من جوانبها الأخرى وحتى السياسية منها. الرسالة الأولى يمثل سقوط السياسة الامريكية في المنطقة بمجملها. حيث كان من المقرر ان يسقط النظام البعثي و يتحول العراق الى دولة تنعم بالرفاهية والحريات و ما شابه ذلك من أكاذيب الإدارة الامريكية والاعلام الغربي السائد خصوصا الامريكية والبريطانية منها. اما اليوم وبعد 18 سنة من سقوط النظام البعثي واحتلال العراق، أمريكا ترفع شعار "ياحوم اتبع لو جرينه" لكن بشكل مغزي و خجول جداً، تهدف الى إعادة حزب البعث في سبيل الضغط على ايران في هذه المرحلة و خلق توازن مع القوى المؤيدة لإيران في المرحلة القادمة، هذا ليس سقوطاً سياسيا فحسب، بل سقوط مرتكزات مجمل الثقافة والايدولوجية التي تتحرك عليها أمريكا والغرب، أي الديمقراطية وحقوق الانسان واكاذيبها الإعلامية المختلفة كأنها ضد: الدكتاتورية والقمع ....  أمريكا تقول، اذا تهدفون الى أخراجي من العراق  من خلال القوى الإيرانية وعبر البرلمان، فنحن نعيد اليكم حزب البعث! الرسالة واضحة.

هي إعادة التاريخ وكما قلنا بصورة كاريكاتورية،  إعادته بصورة دائرية كاملة أي الى نقطة قبل سقوط النظام القومي البعثي، وهنا تظهر مشكلة إنسانية كبيرة في داخل هذه الدائرة التي اكملت 18 سنة. هناك بحر من الدماء والقتلى، حيث قتل مئات الالاف و شردت الملايين على أساس الهوية الطائفية البغيضة، و فرض على المجتمع العراقي التراجع اليومي على كافة الاصعدة، حيث انبثقت القوى الإسلامية الإرهابية باشكالها وانوعها المختلفة من القاعدة و الداعش و الجيش الإسلام والنقشبنيديين و الجيش العمر.... و فرض التخلف والتقاليد الرجعية الاجتماعية على كافة ربوع العراق عبر القوى الإسلام الشيعي و السني، عبر القوى العربية المختلفة، و برزت العشائرية كقوة مسلحة مرة أخرى و كجزء مؤسساتي من كيان الدولة، وانقسم المجتمع على أساس الطائفية، وتشرذمت البروليتاريا العراقية و سلبت منها مكاسبها السابقة من القوانين الاجتماعية المختلفة. بإمكان امريكا إعادة التاريخ وفق النهج الكاريكاتوري وبصورة مؤقتة، لكن ليس بإمكانها نسيان القتل والجرائم الحربية التي أقدمت عليها في العراق، ليس بإمكانها ان تزيل جرائم ابوغريب و اعمالها الشنيعة بحق العراقيين المسجونين والمغيبيين، ليس بإمكانها مسح ذاكرة ثلاثون مليون نسمة من تدمير البنية التحية العراقية و ثرواته و مسح ذاكرتها التاريخية.. بالنتيجة احتلال العراق من قبل أمريكا أدى الى احتلاله من قبل إيران أيضا، احتلال بالوكالة. لكن المسؤول الأول هو أمريكا وليس أي طرف اخر، فبدونها لم تتمكن ايران ولا غيرها من امتلاك هذا النفوذ السياسي الكبير داخل الساحة العراقية.

الاتجاه الماركسي المعاصر: تشكل العراق نقطة مفصلية هامة في جوهر الاستراتيجية الامريكية، وذكرتم في مقالة سابقة لكم حول سياسة امريكا تجاه العراق، أبان تولي الديمقراطيين الحكم في الولايات المتحدة وبتحديد أبان حقبة اوباما، ظهر ونشط تنظيم داعش الإرهابي، والان يحاول الديمقراطيين بادارة جو بايدن الذي تسلم الحكم  اقل من شهر، بمفاجئة جديدة وتعيد الى الاذهان العراقيين والمنطقة بجلب واظهار ملف البعث من خلال  بروز رغد في الاعلام السعودي. كيف ترون سياسات امريكا؟ ما هو الثابت وما هو المتغير في استراتيجتها الشاملة  تجاه العراق خاصة وعموم منطقة الشرق الاوسط ؟؟

سامان كريم: في البداية اريد ان أشير الى ان المقال الذي ذكرتموه في سؤالكم نشر باللغة الكردية. براي الثابت في السياسة الامريكية هي استراتيجيتها، تعني بقاء امريكا على رأس الراسمالية العالمية كقوة الاولى. هذا هو الثابت فقط في هذه المرحلة، ما عداها سياسيات وتكتيكات مؤقتة. سياسيات من قبيل "حرب ضد الارهاب" و " حرب ضد الداعش" و "حرب ضد الدكتاتوريات"..... خصوصا في هذه المرحلة الانتقالية في مرحلتنا المعاصرة. عليه ارى ان سياساتها اتجاه العراق في هذه المرحلة، هي سياسات إعادة تقيم سياستها السابقة و القبول بفشل سياساتها السابقة. ان ظهور رغد في تلفزيون سعودي يمثل هذا الفشل بصورة كاملة.

هذه المراجعة جاءت عبر تراجع الدور الامريكي على صعيد العالمي وحتى في داخل صفوف العالم الغربي، خصوصا في مرحلة جائحة كرونا وتخلفها عن الصين في ميادين عدة وخصوصا في الاقتصاد و معالجة جائحة كرونا، وهي تخلفت عن الصين في التجارة باشواط كبيرة، ناهيك عن مديونية الدولة في امريكا حيث تجاوزت 23 ترليون دولار. هذه لمحة عامة ولكنها تبشر بعالم اخر عالم متعدد الاقطاب. من هنا امريكا وبكل قوتها تهدف الى أيقاف الصعود الصيني عبر سياسات وممارسات شتى بما فيها الحمائية الاقتصادية وخصوصا في زمن ترامب، كانت مؤثرة. في سبيل هذه السياسة، امريكا تحاول اعادة انتشار قواتها و اموالها ان صح التعبير، اعادة انتشار قواتها بمعنى دفع اكثرية قواها نحو محيط جغرافية الصين و المحيط الهادي والهندي...و سحب جزء من قواتها في مناطق الشرق الاوسط، و حتى في اوروبا تحاول دفع قواتها الى حدود الشرقية لاوروبا الغربية لمواجهة او الضغط على روسيا، وتحث قواتها العسكرية صوب التكنولوجيا العسكرية الذكية، واخراج حاملات الطائرات الكبيرة التي تثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي من الخدمة، .... هذا ناهيك عن قضية اخرى وهي عدم احتياج امريكا لنفط الشرق الاوسط حيث وصلت استيرادها من النفط في السنوات الاخيرة الى 13% من احتياجاتها وهي نسبة قليلة مقارنة بمراحل السابقة. اذن هذه هي السياسة الرئيسية لامريكا في مرحلة بايدن وايضا كان ترامب يعمل على هذا المسار ولكن بطريقة مختلفة.

بهذا المعنى اصبح الشرق الاوسط ثقلا على كاهل امريكا و دورها العالمي. ووفق ما شرحنا اعلاه، ان أمريكا تريد تحويل أدارتها لشرق الاوسط الى حلفائها وخصوصا اسرائيل التي تقود هذا المسعى في المنطقة، وان عمليات التطبيع البلدان العربية معها جزء من هذه السياسة. هذا يعني ان أمريكا تذهب مباشرة الى العدو الرئيسي، العدو الاول وهو الصين. في العراق تهدف الى تحجيم الدور الايراني، عبر الاتفاق النووي والحصار الاقتصادي والمناوشات المستمرة وضرب عناصرها، وخلق نوع من التوازن عبر اعادة البعث و دمجه في العملية السياسية بصورة مباشرة او غير مباشرة، عبر تكتل برلماني تقودها شخصية سنية بعثية غير مشهورة او حتى غير بعثية ولكن سياسة الكتلة وتوجهاتها هي سياسة الحزب البعث في نمودجه الجديد.... وهذا ليس شئ حتمي في المرحلة الانتقالية، ولكن المسار السياسي الذي تهدف اليه امريكا، هو هذا المسار بصورة عامة. من الجدير بالذكر الإشارة الى ان عدائية أمريكا لإيران لا ترجع الى محاولاتها لبناء قوة نووية او لديها صواريخ بالستية او تدعم ميليشيات و أحزاب مختلفة في المنطقة, بل القضية المحورية هي إن إيران وسياساتها واعمالها تصب في خانة النفوذ الصيني من ناحية الاقتصادية, حيث أذا عملت الحكومة الإيرانية بتغير مسارها سوف لن تبقى السياسة العدائية الامريكية إتجاهها.

 

الاتجاه الماركسي المعاصر:حسب طرحكم في الاجابة على الاسئلة المطروحة اعلاه، نرى صورة قاتمة لاوضاع الجماهير المضطهدة والمحرومة وفي مقدمتها الطبقة العاملة، ولا نرى بصيص امل في هذا النفق المظلم وفي ظل هذه الصراعات المحتدمة. اين سبيل الحل؟؟  او مخرج او دور تاريخي وثوري بامكان الطبقة العاملة من ادائها في تغيير هذا المسار العسير، راسا على عقب والخلاص النهائي من تلك  المصائب والويلات.

سامان كريم: بالنسبة لماركسي او طليعي الطبقة البروليتارية ليس هناك نفق مظلم، دائما هناك نفق و طريق نحو الحرية والمساواة. مع ذلك هناك مراحل موأتية و مراحل غير مؤاتية للثورة البروليتارية، هذه هي تحدياتنا في هذ المرحلة. الجماهير في العراق، ونحن نتحدث بالتحديد عن البروليتاريا في العراق، فعلا تعيش في مرحلة صعبة، ضعف كبير في التنظيم والوعي الإشتراكي، التشرذم القومي والطائفي، الفقر، البطالة، قلة الاجور، قلة الخدمات العامة وخصوصا الكهرباء، مناخ فكري وسياسي قاتم، هجمات ليبرالية متكررة، تحول معظم قطاعات الاقتصادية الى قطاع خاص و هذا يؤثر بشكل كبير على جوانب مختلفة من حياة العمال السياسية و الاقتصادية والنضالية ايضا... لان مرحلة التحولات او التغيرات من قطاع عام  الى قطاع خاص، تواكبها تغيرات كبيرة في دمج مؤسسات و الغاء بعضها و طرد اعداد كبيرة من العمال.... هذه كلها جوانب موضوعية من حياة البروليتاريا في العراق.

المفصل الجوهري كما قلنا منذ سنين، البروليتاريا في العراق تحتاج الى النهوض بصورة ملحة، نهوضها كقوة طبقية لها اهدافها السياسية المختلفة عن كافة القوى الطبقية البرجوازية من الاسلاميين الى القوميين. هذه قضية موضوعية كبيرة في العراق و باقي البلدان الشرق الاوسط. الموضوع الذي افرزه التاريخ السابق ومنذ الاحتلال الامريكي لحد الان هو هل البروليتاريا في العراق توافق او ترضى بمعادلات امريكية او ايرانية او تركية؟؟؟.. معادلات التي وضعت امام بروليتاريا في هذه المرحلة هي؛ " تختارون بين الداعش و القوى الاسلامية الحاكمة"؟ أو " تختارون بين حزب البعث او القوى الاسلامية الحاكمة"؟ هذه ليس أسئلة البروليتاريا الطليعية ناهيك عن اختيار اي طرف من هذه الاطراف، اختيار و انتخاب البروليتاريا لطريقها الثوري، عبر تنظيم ذاتها كطبقة وبالتالي الظفر بالسلطة الطبقية... هذا هو الاختيار. حين وجد هذا النوع من التفكير حينذاك نحن امام مرحلة جديدة في العراق... كيف نصل الى هذه المرحلة؟ جزء منه مرهون بسياساتنا و عملنا الدؤوب كماركسيين، والجزء الاخر واعتقد الاكبر منه موضوعي مرهون بعوامل اجتماعية عدة، ولنا ايضا دور في هذا الجزء عبر خلق حالة أو مناخ فكري وسياسي وتنظيمي لنضج الحالة الموضوعية وفق قياسات اسرع. ارى في هذه المرحلة التعاضد الطبقي بين مختلف القطاعات العمالية، تنظيم القاعدي بمعنى التنظيم داخل صفوف العمال و في المحلات ايضا... قضية في غاية الاهمية..... بطبيعة الحال هناك قضية مهمة ايضا يجب ان نقوم بها وهي حضور الماركسيين كمراجع فكرية على صعيد الاجتماعي. براي ان البروليتاريا  في العراق وبغض النظر عن مشاكلها الكبيرة كما اشرنا اليها، مؤهلة لاداء هذا الدور. ٢٤.شباط.٢٠٢١