الثقافة والفكر الاسلامي منسجمة تماما مع الرأسمالية المعاصرة، منسجمة مع توجه السوق و اقتصاد السوق!

حوار مع سامان كريم حول  سيطرة  حركة طالبان على افغانستان

الاتجاه الماركسي المعاصر : يشهد العالم الان تحولا دراماتيكيا كبيرا في المشهد السياسي في افغانستان الناجم عن الانسحاب الكامل للقوات العسكرية الامريكية ومعها سحب قوات التحالف الدولي فيما يسمى بمكافحة الارهاب الدولي وقوات الناتو في اراضي افغانستان. وفي المقابل نرى  سيطرة حركة طالبان على زمام الامور. انتم في الاتجاه الماركسي المعاصر كيف ترون هذه المسألة وما هي السياسة الجديدة التي ستتبعها امريكا؟ هل هو تغيير في استراتيجتها ام فشل سياساتها التي اتصفت بالعسكرتارية والحروب والدمار التي خلفتها وراءها؟

سامان كريم: أمريكا فشلت و سقطت كل قيمها اذا كان لديها قيمُ ما، وانا اركز على القيم و الفقاعات الفارغة على شاكلة الديمقراطية و حقوق الانسان والانتخابات... كلها جوفاء وليس فيها ذرة من مصلحة العمال و الكادحين، بل دعايات إعلامية لتزيين الوجهة البرجوازية مثل عملية المكياج قبل دخول الممثلة الى ستوديوهات هوليود. برأي و بغض النظر عن وجود اتفاق مع طالبان على هذه الشاكلة من عدمه، القضية تبقى كما هي و هي إن أمريكا فشلت ولم تتمكن من تحقيق هدفها الرئيسي ألا وهو " بناء نظام عالمي جديد بقيادتها". كان دخول واحتلال أفغانستان خطوة بهذا الاتجاه وهذه فشلت بصورة تامة لا رجعة فيها.

أمريكا فشلت وبقوة و مرغمة على قبول جرعة الهزيمة، لكن مع هذا ولأنها القوة العالمية الكبرى لحد الان، فشلت وفق قياساتها. بمعنى انها خططت لتحقيق هذا الفشل وفق مشيئتها الى حد كبير، إنسحاب جيوشها ومعداتها و في سبيل مواجهة القوة الكبرى وهي الصين وبعد ذلك روسيا. تضاف الى ذلك جعل أفغانستان بؤرة لتقوية القوى الإسلامية المعادية للصين وجعل روسيا منشغلة بحدودها. هذه هي المحاور الرئيسية لسياسات أمريكا. اما بخصوص أستراتيجية أمريكا- النظام العالمي الجديد بقيادتها- برأي انها سقطت بالكامل مثل سقوط أبراج منظمة التجارة العالمية في نيويورك. استراتيجية أمريكا تغيرت حيث تسعى مع شركائها وحلفاءها الى إعاقة تقدم الصين، إعاقة تطورها الصناعي وخصوصا الصناعات الذكية واعاقة إنجاز طريق الحرير التجاري العالمي، بالتالي اعاقتها على ان لا يتحول الى القوة الرأسمالية الأولى في العالم.

الاتجاه الماركسي المعاصر: ما هو مغزى عودة القوة الاسلامية المتمثلة بحركة طالبان التي تم صناعتها أمريكيا بمباركة وعهدة الحكومات الباكستانية والسعودية والقطرية ودعمها بملايين الدولارات وترعرت في احضانها في  منتصف التسعينيات الى الساحة السياسية الى ان استلمت السلطة عام 1996، والان وبعد اكثر من 20 سنة، تفاوضت امريكا معها بوساطة قطرية بدأ بها ترامب  وتلاه جو بايدن في تكملة هذه السياسة. وفي الختام نرى ما نرى من تسليم افغانستان اليهم من جديد.

سامان كريم: بيت القصيد، ان أمريكا ليس بإمكانها ان تقود عربة النظام العالمي الموجود، وهي مترنحة تحت طائلة الازمة الاقتصادية الكبرى من جانب، ومن جانب آخر تواجه منافسة شرسة وقوية من الصين و هي متقدمة عليها في الإستيراد والتصدير والميزان التجاري و الابتكارات العلمية والمنافسة السوقية و الصناعات الذكية و في العديد من المجالات. هي أي أمريكا تريد او تهدف الى مواجهة قوة الصين بدل إنتشار قواتها في أماكن عدة، عليه تحاول تجميع وحداتها وجيوشها في مواجه الصين و بعدها روسيا. والنتيجة هي إنسحاب قواتها وهي مرغمة على ذلك، وليس انسحاباً طوعيا بل فرض عليها بالقوة - القوة هنا ليس قوة طالبان فحسب - عليه فإن طالبان وهي قوة برجوازية إسلامية مؤثرة في أفغانستان سيطرت على الوضع. الحالة بمجملها تعبر بصورة ساطعة عن فشل و سقوط السياسة الامريكية وتناقضاتها الداخلية والموضوعية في الوقت ذاته. من الجدير بالذكر ان النظام السياسي الأمريكي مبني على الديكتاتورية الطبقية الواضحة، دكتاتورية الطبقة البرجوازية الامريكية و التي تحافظ بكل قوتها وشراستها على حكم الرأسماليين الكبار و تجسيد مصالحهم عالمياً, عليه ان سياسات الحكومات المختلفة ما تسمى بالديمقراطيين و الجمهوريين او بايدن وترامب من حيث الجوهر هي كما هي، الاختلاف في الأداء و أسلوب التعاطي مع المشكلات. الرئيس الأمريكي المنتخب هو رئيس لإدارة مصالح الطبقة البرجوازية الامريكية عبر دعم مصالح كبار الرأسماليين في أمريكا وعلى الصعيد العالمي. عليه فإن بايدن يمارس سياسات خارجية كما أقدمت عليه ادارة ترامب حول أفغانستان و الصين و عدد كبير من قضايا عالمية مختلفة. الانتخابات الامريكية في دوراتها المعتادة بين الحزبين الرئيسيين أصبحت فارغة من المحتوى وبالتحديد حول تحسين أحوال المواطنيين.

الاتجاه الماركسي المعاصر: نبقى في موضوع حركة طالبان التي باتت تتصرف الان  بنسخة محورة ومغايرة  غير نسخة التسعينيات التي رسخت سلطها بالدم والنار، حيث قضت على كل معالم الحياة هناك  بتصفية معارضيها وتعليق جثثهم في الشوارع، تحريم النساء في المدارس، تحريم صالونات الحلاقة ..... الخ والقائمة تطول بهذا الخصوص. لم تدخل في صراعات دموية واقتتال يذكر لا مع القبائل التي لها نفوذ وقوة ولا مع المؤسسات الحكومية طيلة هذين الشهرين في احتلالها للمدن الافغانية. وفي السياق نفسه لها اتصالات رسمية مع كل من روسيا والصين وطمئنتهم على تأمين حدودهم وشكل العلاقة الجديدة مع دول الجوار .كل هذه التحركات تشير على بناء امارة اسلامية قادمة وفي طريقه الى الاقرار به في المجتمع الدولي.

سامان كريم:هذا صحيح، الأوضاع تغيرت وطالبان تغيرت أيضا في 2001 أمريكا كانت قوة طاغية، حينذاك لم تظهر الصين على السطح, و هي في تلك الأوقات كانت بمثابة جمرة تحت الرماد، أما اليوم فالصين قوة اقتصادية اكبر و لها قدرة تنافسية مؤثرة جدا، وسرعة نموها الاقتصادي لا تقارن بأمريكا. حينذاك كانت شعارات أمريكا لها مصداقيتها لدى جمهور عريض و كبير من الناس في العالم العربي والشرق الأوسط وشرق أوروبا و أمريكا اللاتينية، اما اليوم شعارات أمريكا أصبحت فارغة بدون أي قيمة مادية او موضوعية على الصعيد العالمي وعلى الصعيد الداخل الأمريكي أيضا، شعارات مثل "الحرب ضد الإرهاب" و " الديمقراطية والانتخابات وحقوق الانسان" و "ضد الدكتاتورية"... هذا جانب من القضية اما الجانب الاخر، هناك اكثر من 40 سنة من الحرب في أفغانستان أي بعمر جيل واكثر، إنهمك الناس والقوى السياسية فيها، و دمرت كافة الأشياء التي ترمز الى التحضر و التمدن، الناس هلكت، وهناك قوى دولية كبرى لديها علاقات مع طالبان مثل الصين وروسيا و ايران وكلها لديها مصلحة في استتباب الامن والاستقرار فيها، من الجانب الاخر، فان كل هذه التحولات أدت وستؤدي بصورة أوضح الى احداث تغييرات واضحة على السلطة البرجوازية الطالبانية، إذا تهدف الى إقامة سلطة قابلة للحياة. طالبان تحاول بناء حكم إسلامي مختلف عما كان عليه قبل اكثر من عشرين سنة، تحاول إشراك الإسلاميين الاخرين، و إقامة حكم إسلامي مقبول لدى الدول الكبرى ولا اقصد أمريكا حصرا، بل عدد منهم، وألاهم بالنسبة لجيرانها و هي ان لا تتحول أفغانستان مرتكعاً لقوى إسلامية إيغورية و داعشية و قاعدية...  هذه هي التغييرات المطلوبة منها لدي القوى الرأسمالية الكبرى و باهداف مختلفة لكل منهما. هل بإمكان طالبان ان تجسد هذه المصالح المختلفة؟! برأي طالبان أو حكمه الإسلامي سيتحول الى حكم مناهض لأمريكا أو الى حكم ممانع  خلال مدة مستقبلية قصيرة على شاكلة حزب الله. الجغرافيا السياسية التي تقع فيها أفغانستان في هذه المرحلة يستوجب عليها ان تكون ضمن هذا الإتجاه  إذا تهدف الى حكم  وخصوصا إن باكستان معه في هذا الاتجاه.

الاتجاه الماركسي المعاصر: اصدرتم في 28حزيران 2021  وثيقة " مَلامح وإتجاهات الرأسمال و مَكانة البروليتاريا" فيها الكثير من النقاط ومحاور  مهمة في ما يخص دور ومكانة الراسمالية العالمية والتي تمثلها في المطاف الاخير امريكا والصين،  وذكّرتم بدور امريكا في العالم  باحياء و تأجيج جماعات ارهابية و إطلاق الحروب وذكرتم فيما يتعلق بمسألة الدين بانها تصبح جزءاً و عمودا من ألاعمدة الرئيسة في الفكر و الايدولوجية البرجوازية المعاصرة. الفكر الديني و بالتحديد الإسلامي أصبح جزءأ مهما من سلة الأفكار للبرجوازية العالمية. هل هناك علاقة جدلية ما بموضوع الذي نبحثه؟!

سامان كريم: برأي أصبحت الديانات ما تسمى الإبراهيمية او السماوية جزءاً لا يتجزءأ من منظمومة فكرية و عقائدية وسياسية عالمية للبرجوازية العالمية وكما أكدنا في الوثيقة المذكورة الواردة في سؤالكم حيث اوضحنا ان: " الأديان بصورة عامة والإسلام تحديدا ، اصبح جزءاً و عمودا من ألاعمدة الرئيسة في الفكر و الايدولوجية البرجوازية المعاصرة. الفكر الديني و بالتحديد الإسلامي أصبح جزءأ مهما من سلة الأفكار للبرجوازية العالمية ". نرى إسرائيل كتجسيد لدولة يهودية دينية و نرى ممارساتها أيضا، نرى التيارات المسيحية الكبرى خصوصا في أمريكا و بريطانيا و ألمانيا، التيار المسمى المسيحية اليهودية أو الانجليكانيين تيار قوي ومؤثر في ممارسات إنتخابية، لهذا التيار نفوذ كبير داخل صفوف المؤمنيين المسيحيين في أمريكا و إلى حد ما في اوروبا، بحيث بإمكاننا إن نقول ان كل إتجاهات القومية اليمينة المتطرفة الصاعدة في أوروبا لديها صلة وثيقة بهذا التيار المسيحي أو غيره، مثل ما نرى في روسيا أيضا وهي إن إدارة الدولة من ناحية الفكرية مرتبطة بوشائج شتى مع المسيحية الأرثوذكسية.

فيما يخص الإسلام فإن القضية  أكثر وضوحاً، حيث تبؤت الحركة الاسلامية من المغرب الى الصين الى قوة لها موقعها ومكانتها في الصراعات الاجتماعية و في بعضها تبؤت على رأس السلطة، في إيران و أفغانستان  وفي تركيا بصورة مباشرة كقوى إسلامية حاكمة, ولها دستورها و مؤسساتها في السعودية و قطر و باكستان و العراق. الأيدولوجية الاسلامية معجنة مع الارث الاجتماعي و قوانيها في العديد من البلدان الاخرى أيضا. البرجوازية العالمية بصورة عامة و من ناحية الايدولوجية وقعت في القاع ليس لديها ما يناسبها من ادوات التحميق الايدولوجية في هذه المرحلة من الرأسمالية المعاصرة، وقعت في أزمة خانقة ثقافية وايدولوجية، مثلما وقعت في ازمة إقتصادية عميقة، دون ان يكون لديها حل. إن ملامح أزمتها الايدولوجية ظهرت عبر سقوط وسائلها التحميقية والتضليلية على غرار الديمقراطية وحقوق الانسان و انتخابات وما شابه ذلك من الفقاعات الفارغة، حيث باتوا يتحدثون اليوم عن هذا السقوط علانية. عليه ولهذه الاسباب ليس لديهم حل سحري غير الرجوع وإعادة اكثر افكار الرجعية في التأريخ وهي تاريخ الخلق، او تأريخ وجود الكون، وهذا في اكثر معانيها إلحاحا يرجعنا الى تأريخ الديانات. وهنا الدين الإسلامي مثل باقي الاديان سواء كانت توحيدية او غيرها مادة روحية مخدرة حتى الغثيان- تقاليد الدارويش و عزاء الحسين- ولا يتطلب جهدا كبير في هذه المرحلة حيث بنائها التحتية جاهزة تماما و المؤمنيين بها تصل الى مئات من الملايين.

 هناك اكثر من 6,3مليون مسجد على الصعيد العالمي وفق احصائية سنة 2015, ناهيك عن الحسينيات والمزارات بالالاف. في امريكا وفق احصائية لسنة 2011 توجد 2016 مسجدا وفي باكستان وفق احصائية 2019 توجد 120 الف مسجدا و 25000الف مدرسة إسلامية، وفي العراق وفق إحصائية 2020 توجد 21500 مسجدا مع 500 مزارا و الاف من الحسينيات التي لاتوجد إحصائية رسمية بصددها. تضاف الى ذلك مكة و المدينة و الحج والعمرة، و النجف وكربلاء و عاشورا..... هذه الايديولوجية خططت لها البرجوازية العالمية و احتضنتها منذ سبعينيات القرن الماضي وعززت من مكانتها ونفوذها لحد هذه اللحظة. اليوم ان الاسلام ركيزة اساسية لفكر  وثقافة البرجوازية المعاصرة على الصعيد العالمي  وإن سيطرة طالبان على زمام الامور  في أفغانستان يعزز هذه القاعدة.

الايدولوجية الاسلامية هي ثقافة مخدرة، بلسم روحي هادئ لترويض الاحتجاج و الاعتراض التي تطلق بصورة يومية وفي كل لحظة من حنجرة البروليتاريا، بلسم جسمي و فيها نشئة روحية تروج لعالم افضل، عالم فاني-الجنة-. المخدرات هي تنتجها الرأسمال و إنتاج رأسمالي يوميا بصورة موضوعية، حيث عمل البروليتري غير مدفوع الاجر-فائض القيمة-  هي التي تنتج مثل هذه الخرافات كانعكاس واقعي لحياة مقلوبة في ظل الانتاج الراسمالي. الثورة البروليتارية هي الاجابة الوحيدة لفناء الخرافات كافة.  هذه الثقافة هي منسجمة تماما مع الراسمالية المعاصرة، المعاصرة بمعنى الزمن ولكن هي رجعية بكل معنى الكلمة. منسجمة مع توجه السوق و اقتصاد السوق، وهي بحد ذاتها قطاع مهم للاعمال. ننظر الى الحج و العمرة و عاشورا وننظر الى بزنس عيد الاضحى، وكل ما يتعلق بثقافة سوسيال ميديا و  بزنس الملابس النسوية الاسلامية بما فيها ملابس سباحة اسلامية و ازياء اسلامية، وعقود الزواج المختلفة من المتعة الى الشرعية السنية و موديلاتها الجديدة من المصياف و السياحي ناهيك عن عقارات الاوقاف والخمس والزكاة... قطاع مربح جداً.  عليه ثقافة وايدولوجية باركتها البرجوازية، فلا بد أن يباركها الله في هذه المرحلة من الراسمالية التي تتميز بالليبرالية الجديدة. الدين هو روح الليبرالية, حيث الفرد العامل يواجه الهته, و الفردية روح الليبرالية. 

 

الاتجاه الماركسي المعاصر: كنتم في قيادة الحزب الشيوعي العمالي ، حين هاجمت أمريكا حكم حركة طالبان في أفغانستان في سنة 2001, واليوم نرى مفارقة عجيبة، عودة طالبان كقوة إسلامية متمرسة وهزيمة أمريكا و سحب كافة قواتها. كيف ترى هذه المفارقة وما هي أوجه الاختلاف بين هاتين الفترتين؟ وما هو دور وموقع الطبقة البروليتاريا الأفغانية من هذه الاحداث؟

سامان كريم: أرى ان الشيوعية هي أساسا حركة إجتماعية موضوعية بروليتارية ضد الرأسمال وليس ضد إحدى تجلياتها، مثلا ضد الرأسمال المالي، لكن مع الراسمال الصناعي أو ضد إقتصاد السوق لكن مع إقتصاد الدولة وهكذا يترجم او ينعكس على الحركات السياسية. نحن نرى حركة موضوعية برولتيارية، هذه الحركة يستوجب ان تكون لديها آمال وتطلعات شيوعية كحركة فعلية وليس كافكار و نظريات وشعارات فقط. إن هذه الحركة هي نقيض للرأسمالية و نظامها أينما كان، بالتالي نقيض للحركات التي تنتجها مصالح مختلفة لرأسمال، والتي تشكل بدورها تيارات وحركات وقوى سياسية مختلفة، من الإسلامية الى القومية و الديمقراطية والليبرالية والاصلاحية والبرجوازية اليسارية والشيوعية البرجوازية. الحركة الاشتراكية البروليتارية  هي ضد كل هذه القوى و التيارات الحاكمة او المعارضة. وفق هذا الأساس نحن نحلل و نتفق او نختلف او نقترب مع الاخرين من القوى الشيوعية والاشتراكية. نحن لا نرى ان الشيوعية تتحرك و تتجه نحوالسلطة بدون الحركة البروليتارية الموضوعية، نحن لانرى ان الرأس يمشي و يتحرك بدون الجسد، حيث البروليتاريا جسدها و عقلها متلازمتان مع بعضهما البعض ولا يمكن فصل عن بعضهما البعض. هذا التناقض هو عنوان لأكثرية الأنواع الشيوعية اللا بروليتارية على الصعيد العالمي و في منطقتنا أيضا. يتحركون، لا بل يثورون ويدعون الثورة في الشوارع مع علمهم ان البروليتاريا ليس لديها خبر كان.

في مرحلة 2001 حين هاجمت أمريكا واحتلت أفغانستان كنت عضوا في الحزب الشيوعي العمالي، حينذاك كانت سياسة الحزب سياسية توافقية وسطية تحت ما تسمىى اسقاط حكم طالبان أي " الاسلام السياسي" عليه كانت سياسة عدم إدانه الهجمات الامريكية وبالتالي من الناحية العملية كان تأييدا خجولا للحملة الامريكية، بمعنى مادام هناك سلطة إسلامية وهي طالبان، "لا بأس دع أمريكا يضرب ونحن لا نؤيده ولا ندينه" وكنت أويد هذه السياسية حينذاك. أعلن هنا انها سياسة خاطئة تماما ومتناقضة مع  مصالح طبقة البروليتاريا العالمية و الأفغانية أيضا. المفارقة هي ان طالبان عادت الى مكانها و بقوة اكبر و بهيبة هائلة و إن أمريكا هي التي هزمت وكسرت شوكتها  وجبروتها و جيشها و عنفوانها الديمقراطي و قيمها البرجوازية. برأي القضية واضحة لا يتسوجب التوضيح خصوصا اليوم بعد سيطرت الطالبان على الزمام الامور. كانت شيوعيتنا حينذاك شيوعية من نوع خاص، شيوعية ضد الإسلام السياسي. لكن مع مرور الزمن ونحن في الحزب، عالجنا هذا الامر  الى حد ما وبالتحديد في هجمة داعش على مدينة الموصل في العراق، كنا وعدد من الرفاق وقفنا بصورة حازمة ضد الحرب و ضد الهجمات الامريكية و كنا ندين الهجمات الامريكية بقوة، و وقفنا وقفة جدية بوجه هذه السياسة في سنة 2014. حينذاك كنت حازما ومصمماً وتمكنا مع الرفاق من وقف استنساخ سياسية الماضية التي اتخذت بصدد أفغانستان في سنة 2001 ، وتطبيقها على احداث مدينة الموصل. حيث كنا عائقا جديا لتكرار سياسة أفغانستان في الموصل. برأي إن قضية او احداث الموصل نقطة سياسية مفصلية في تلك المرحلة.

نحن ننظر الى الحركات و القوى الإسلامية مثلما ننظر الى القوى البرجوازية الأخرى من حيث الجوهر  ونعالجها مثلما نعالج قضايا أخرى، لأننا لعلى يقين تام انها منتج من منتوجات الرأسمالية المعاصرة في هذه المرحلة.

أخيرا أرى ان موقع البروليتاريا في المنطقة ككل ليس مناسبا، ناهيك عن موقع طبقتنا في أفغانستان، بلد الذي انهمك في الحروب والصراعات الرجعية بين اطراف البرجوازية المختلفة منذ اكثر من 40 عاماً حيث دمرت كافة مظاهر الحياة الطبيعة ناهيك عن تركيبة الطبقية و سبل تنظيمها. أرى ان موقع الطبقة في أفغانستان لا يحسد عليها, يتسوجب بالضرورة فترة زمنية ليتسنى لها ان تنهض من جديد، النهوض بمعنى ان يدرك موقعها و يتمَرّن على التمارين الطبقية اليومية لمواجهة صعوبات الحياة قبل ان تنهض كقوة ساسية. لا أرى تياراً او حركة تقدمية مناهضة لحكم طالبان في هذه المرحلة ناهيك عن البروليتاريا. لملمة الجراح و تهيئة أرضية موضوعية لرفع الوعي الطبقي والاشتراكي في آنٍ  معاً لها خصوصية كبيرة جداً في المدى المنظور,  وهي بداية لنهوضها كطبقة لها مصالحها الخاصة بها.  18 اب 2021

لقراءة الملف على شكل PDF  اضغط هنا